قضايا

خَـوارجُ اليَـوم في طنجة، فاس وسلا

إدريس الواغـيش

في الوقت الذي وصل فيه الشعب المغربي الى وحدة مثالية وتلاحم تام مع قيادته المُتمثلة في جلالة الملك، من تضامن وجمع تبرُّعات من الخواص والشركات وصلت إلى مليارات الدراهم، أشادت بها مجموعة من الدول والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام العالمية، من خلال انضباط المجتمع المغربي بكل مكوناته في مواجهة فيروس كورونا الرّهيب(COVID-19)، علمًا بأن هذا الانضباط في حَـدّ ذاته هو وَسيلتنا الوحيدة في التمسّك بالحياة والإفلات من فيروس كورونا، أمام غياب منظومة صحية مُتطوّرة في بلدنا، وليس أمامنا من خيار غيره اليوم، ومن بين هذه الجهات المشيدة بمجهوداتنا مجتمعًا وقيادة: التايمز البريطانية، هيومن رايتس ووتش، منظمة الصحة العالمية، وأيضًا عـدَدٌ من وسائل الإعلام الدّولية: صحف الجزائر الشقيقة، الإعلام التونسي مكتوبًا ومرئيًّا، إعلام جمهورية مصر العربية، قناة الجزيرة في قطر، قناة فرانس 24 الإخبارية وغيرها من القنوات الأمريكية والأوربية.

لكن أبى البعض إلا أن يرمي بكل هذه القوانين التي فرضتها وزارة الداخلية وراءه ويُفسد علينا هذا التلاحم الجميل، إذ عمَد بعض الخَـوَنة منّا والخوارج الجُـدُد فينا في: طنجة، فاس، سلا وغيرها من المدن إلى التظاهر الجماعي في الشارع العام ليلا، ملوحين بمطالب اجتماعية في الظاهر، في الوقت التي توصي فيه بعض الدول بعدم تجمع أكثر من شخصين ومنها ألمانيا. هل كان قصدهم أن "يخرجوا علينا وعلى ريوسهوم مزيان"، لأن الفيروس كما نعلم ويعلمون ينتقل بسرعة قياسية، خارقين بذلك هذه الوحدة المغربية والالتفاف حول القيادة الحكيمة والخروج من صفوف وحدتنا في مُؤامرة دُبّرت بليل.

ولم نكن نحن بدورنا، كمُجتمع مدني، نعلم أن هناك سباق مَحموم بين كُبريات المُختبرات العالمية في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وسويسرا والصين وإنجلترا من جهة، وبين مسيرات "اللطيف" وهتافات "التّكبير" في كل من مدينتي فاس وطنجة وسلا للظفر ببراءة اختراع لقاح مُضاد لفيروس كورونا، هذا الذي يهدّد حياتنا ويفتك بالعديد من سكان الدول من حولنا، في مشاهد تلفزيونية ينفطر لها القلب، خصوصًا في الدول الأكثر تضرّرًا من الوباء ومنها إيطاليا وحتى الجارة إسبانيا.

كان مُمكنًا ومقبولا أن نرفع قراءة القرآن من مكبّرات صوامع مساجدنا عبر التراب الوطني أو ننخرط جميعًا في رفع أكفّ الضّراعة إلى السماء، ونطلب من الله عَـزّ وجل أن يرفع عنّا هذا الوَباء - البَلاء من شرفات منازلنا أو من سطوح بيوتاتنا، كما نفعل في خلواتنا ونحن نصلي صلواتنا الخمس اليومية، أو نرفع حناجرنا عاليًا ترديدًا للنشيد الوطني المغربي مع رفع الأعلام الوطنية كما فعل الطليان والإسبان من قبلنا، من أجل رفع طاقة إيجابية في نفوسنا، نحن في أمس الحاجة إليها أكثر من أيّ وقت مضى لمواجهة عدوّ شبه خرافي، وكأنه نزل من السماء في غفلة منّا ومن المُختبرات العالمية المشهورة. لكن يا لتفاهة أحلامنا وأمانينا، وخيبة أمل فيما كنّا ننتظره من شبابنا...

"واش المغاربة رجعوا خفاف؟" كما قال الراحل الحسن الثاني ذات خطاب عن بعضنا، ما حدث في ليلة سبت كالحة من ليالينا، في خرق سافر للطوارئ الصحية في مسيرات غوغائية خارج الحجر الصحي أو الطبي، على الرغم ممّا أحدثه من غُصّة في القلب، حجة قاطعة على أن البعض فينا فعلا "خفاف" ويستخفون عن جهل بقانون الطوارئ التي فرضتها السلطات المغربية. لكن لم يكن غريبًا عن أجيال تربّت على أنغام سهرات السبت ومهرجانات هَـزّ البطن ومُعدّي برامج تافهة وأحيانا مُخلة بالآداب، تقدمها لنا قنواتنا المُتلفزة مدفوعة الأجر، لكن بعيدًا كل البُعد عمّا هو تربوي هادف.

صحيح أن هناك ما هو اجتماعي يجب تداركه، لكن أيضًا آن الأوان أن نعيد النظر في مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ونرتب أولوياتنا من جديد، ونعيد كرامة المُدرّس وهَيبة المدرسة، لأننا نعرف كما يعرف الجميع بأن التعليم العمومي، الذي كان يُقذف صباح مساء من القاصي والدّاني بتواطؤ من الجميع، هو مُنقذنا الوحيد من الضّلال ومُنفذنا إلى المُستقبل وليس شيئًا آخر، هو الذي ينتج لنا الطبيب والمهندس والضابط الملازم في الإدارة والشارع أو ذاك الذي يُرابط على الحدود، وينتج لنا الإنسان الملتزم بقضايا بلاده ووطنه، وفق ما تمليه علينا الأخلاق المغربية الأصيلة، وفي نفس الوقت مُنفتح على الثقافات الأخرى المُنتجة للعلوم.

ما حدث من مسيرات ليلية يتقدم بعضها أطفال صغار أمر مُؤسف ومُخجل، لكنه لم يكن بعيدًا عن عقلية جيل تعلم كيف يتمرّد على الأستاذ، لكن لم يتعلم، مع الأسف، كيف ينضبط للصالح العام و" حالة الطوارئ الصحية" التي أملتها مصلحة البلاد في ساعة تتطلب منّا الحسم والامتثال للقوانين والتعليمات الرسمية تجنبا لأي انهيار صحي يصيب المجتمع بالشلل، وليس لنا ما يستوعبه من أطقم طبية وأسرة كافية في المستشفيات، لأن القضية مصيرية تتعلق بصحة مُجتمع بكامله وسلامة أفراده.

وَاعَجَـبي من أمّة تدّعي الإسلام وتطلب "اللطيف"، لكن قد لا يسلم من أذاها المسلمون... !!