رأي

عبد الجليل أبوالمجد: الظلم لا يبني مجتمع المواطنة

إذا كان العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، فالظلم هو عدم إعطاء كل ذي حقه. وعلى الرغم من بشاعة الظلم وتحريمه في كل الأديان والنظريات الفلسفية، إلا أن الناس في حياتهم وأعمالهم لا ينتهون عن ظلم أنفسهم ولا عن ظلم الآخرين.

وهذا ما نبه إليه ابن خلدون حين قال إن الظلم إذا انتشر، خربت البلاد، واختل حال العباد. جاء ذلك في مقدمته، حيث خصص فصلا بعنوان " الظلم مؤذن بخراب العمران"، تطرق فيه للظلم وبعض أنواعه.

وأجمل ما استوقفني في كلام ابن خلدون على الظلم، هو أن هناك آلية لقيام الدولة وعمرانها للأرض، وأن العمران لا يأتي إلا برفع الظلم عن الناس حتى يطمئنوا على أنفسهم وحقوقهم ويتقيدوا بعدها بواجباتهم.

ومن النتائج التي توصل إليها العلامة ابن خلدون ويصدقها بلا شك التاريخ والواقع، أن الظلم يعد سببا حاسما في شل الحركة وعاملا رئيسيا في انتشار الفساد، وبالتالي إلى خراب العمران سوآءا كان هذا العمران شركة، أو مؤسسة، أو دولة. ومن المعلوم أن الفساد أشد ظلما وفتكا وقهرا من أي شيء أخر.

وفي مجتمع الظلم يعم الكسل والكساد والفساد وينعدم اليقين ويتنامى الشك وتقل الثقة وتنقطع أواصر العلاقات، وتحل مكانها المشاحنات والعداوات، وهذا من الأسباب الرئيسية لفساد الحال وخراب البلاد.

والخراب له أساسان: فساد المجتمع وفساد السلطة، وإنه إذا تجلت علامات الفساد في المجتمع فالسلطة هي المرآة والصورة المعاكسة لذلك الظلم.

فعندما يشعر بعض أفراد المجتمع بالظلم وعدم العناية بهم، هذا يخلق أجيال صغيرهم قبل كبيرهم مليئا بالعقد النفسية نتيجة لشيوع الأمراض الاجتماعية المتوطنة في المجتمع منذ عقود، بل ربما قرون عديدة، ومع شعور المجتمع بأنه لا يوجد بارقة أمل في شيوع قيم الحق والعدل في الواقع المعيش بصرف النظر عن توفير بعض المستلزمات المادية، حينئذ يشعر أفراد المجتمع بضياع الحاضر والمستقبل في وطنهم، فينعزلون أو يهاجرون بحثا عن مخارج ذاتية، مما يفقدهم شعور الإنتماء إلى الوطن ويسلبهم حس المواطنة.

كما أنه ليس مهما أن يملك الإنسان المال الكثير، لكن الأهم هو أن يملك الحرية في التعبير عن قضاياه ومشكلاته، ويشعر أنه متساوي في الحقوق والواجبات مع كل أفراد مجتمعه.

يستشف مما سبق، أنه لا يمكن استنبات العدالة الاجتماعية المرتبطة بالدولة الاجتماعية كما بشر النموذج التنموي وسط بلاد يطبعها الريع، الثراء غير المشروع، استغلال النفوذ، المحسوبية والاحتقار، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن سيؤدي إلى خراب العمران، كما تنبأ بذلك ابن خلدون.